دراسات وفلسفة وفكر - في المخزون
عندما جاءت جحافل الاستعمار الغربي العسكرية والفكرية للبلاد العربية وبعض البلاد الإسلامية في أواخر القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين، سبق ذلك أن مهّد لهذا الغزو، بإرسال المئات من الخبراء والعلماء والباحثين من شتى التخصصات والإمكانيات في شتى المعارف التي سيتم متابعتها وتقديمها لصناع القرار السياسي والاستراتيجي الغربي، لاستقصاء ومعرفة أحوال هذه البلاد وشعوبها وعاداتهم وتقاليدهم ورؤيتهم الثقافية، وكذلك ما يدور من أفكار ونظرات للدين والكون والحياة في أسلوب عيشهم، وهذا التقصي والاهتمام لا ينحصر في توقعات الردّ والمواجهة تجاه المستعمر بسبب اجتياحه لتلك البلاد، فهذا الأمر له عدته وأسلوب التعاطي معه، بل القصد من ذلك أمر آخر يختلف عما سبق اتخاذه، ألا وهو الاختراق الفكري والثقافي لهذه الشعوب من داخلها، ومن خلال بعض أبناء هذه الشعوب إن وجدوا استجابة منهم وربطهم بفكر المستعمر ونظرته العامة تجاه الحياة التي يعيشها الغرب، وجعلهم نسخة كربونية منه فكراً وعقلاً ونظرة، بعد أن يكونوا متأقلمين مع فكره ورؤيته للحياة، ويبقى هذا الشعب أو هذه الأمّة تابعة أو خاضعة له فيما يراه ويخطط له، ويخدم أهدافه وتوجهاته السياسية والفكرية والثقافية وغيرها من الأهداف والخطط والبرامج المختلفة، التي أعدها ورتبها قبل احتلاله، والتي تجعله أكثر ثباتاً في هذه البقعة الجغرافية من الأرض لعقود طويلة.