أدب وروايات - في المخزون
كنتُ أشعرُ – وأنا أحزم حقائبي مسافرا إلى أفغانستان لتغطية رحيل الأميركيين منها- أني أكتب الأحرف الأولى من تاريخ صحفي سيبقى. كما كنت أحس، وأنا أجول بين مدنها وقراها، ذلك الدبيب الداخلي المنعش الذي يستشعره كل مؤرخ، أو واعٍ بالتاريخ في الأماكن المفعمة بالعنفوان الحضاري. فليست جبال أفغانستان مكانًا رماديًّا متواريًا عن رياح التاريخ، بل ظلت منذ القِدم حلبة مدهشة لنجاحات الإنسان وتعاساته، ومسرحًا رحبًا لبرهنة الإنسان على إنسانيته المتوثبة، وشيطانيته الدَّرَكية؛ إذْ كانت أفغانستان تاريخيًّا بؤرةَ استقطاب لصُنَّاع الحضارات ومقوِّضيها منذ الإسكندر الأكبر، والأكاسرة، وجحافل جنكيزخان. وظلت تلك البقعة -دومًا- ممرًّا أبديًّا للغزاة والتجار، والفرسان والشعراء، والأولياء والعبيد. لكن ولع الغزاة بهذه البلاد يقابله عنادٌ ملحمي من أبنائها؛ فقد ظل الإنسان الأفغاني صخرة من صخور الهندوكوش صعبة الاقتلاع، راسخة راسية. وبرهن الأفغاني طيلة تاريخه على أنه تجسيد حي للعبارة التي وَصَف بها زعيمُ الدعوة العباسية قائدَه العسكري، أبا مسلم الخراساني، من أنه «حَجَر الأرض».