أدب وروايات - في المخزون
تسبح البجعات في البحيرة بحزن عميق، موسيقى تشيكوفسكي الحزينة تحرك راقصات البالية كالسحر وصوت الماء في الخلفية المسرحية حزين مهموم...تخرج الأميرة البجعة وتنظر إلى الشمس في الأفق، ترفرف بأجنحتها البيض، يتساقط الزغب الخفيف ويتطاير في الأرجاء...موسيقى الإحتضار...رجل الحبيب...وعادت الأميرة إلى جحيمها المكتوب...سندتها البجعات، راقصتها وطفقت ترقص بحمى كئيبة. تدور في المسرح بمس من الحزن تلف بقدميها الناحلتين المحترفتين، من زاوية لأخرى لتنسخ أسطورة الحزن...توكأ عثمان على كتف زوجته الناحل، دخل إلى البيت الساكن في النهار...نظر إلى بقعة صغيرة كعادته عله يجد صغيره يلعب من جديد لكنه كان ساذجاً. أولغا تبكي بهدوء...وهو جالس قبالتها جامد العينين. علم الطاقة كان خرافة...كان على يقين أن أنتون سيعيش مائة عام...وكان يظن بأن القدر سيمهله ليرى أحفاده من أنتون. لكن كل التنبؤات التي صنعها لنفسه كانت خرافة. تحدث بالإنكليزية على غير عاداته. يجب أن نذهب لبلدي..قالت له أمه أن جدته كانت تصاحب شيوخاً من الجن، وبأنهم بعد وفاة الجدة سينقلون إليه لأنه أحب أحفاده إليها...سيحمونه ويحمون أطفاله، عليه فقط أن يظهر الطاعة والعرفان، وإذا كان ينكر كل هذا في السابق فربما آن الآوان للتجربة. سماء بلاده بعد غيبة السبع سنوات صافية زرقاء وحارة، والصباح مشرق...كان الصمت حليفه طوال الرحلة وكانت أولغا في أسوأ حالات الصداع التي مرت بها...هذي بلدي أملنا وبقيت على صمتها، عيناها الزرقاوان الواسعتان عكستا الزرقة اللؤلؤية السماوية وأشرقت بشرتها الشاحبة بإحساس التغيير في الوقت المناسب. كانت تنتابها الكوابيس مؤخراً وأدمنت حبوب النوم بلا جدوى، كما أن علاقتها الفاترة بزوجها بعد رحيل أنتون أصبحت عاملاً إضافياً لهمومها وأحزانها...إستقبال القرية الصغيرة أذهل الروسية الجميلة...القبل والأحضان الطويلة شيء لم تعتده في بلادها الملبدة بالغيون. إستقبلتها والدة عثمان بروح طيبة مترددة ولم تجر كلاماً لأنها لا تعرف أي لغة أخرى غير لغتها الأم...أما عثمان فأشرق وجهه فرحاً. عندما تخونك النظريات العلمية التي آمنت بها تقع فريسة الحزن والكآبة، وتعود كجاهل متعلقاً بما درجت عليه في أفكار ومعتقدات. هو ذا عثمان الحاصل على أعلى الدرجات العلمية والذي منحه أكبر مركز للأبحاث في روسيا الدكتوراة الفخرية يقف عاجزاً أمام قدره، رغم أنه أجرى حساباته الفيزيائية، ولم تغب عن حساباته قوانين الزمان، وتوجهت كل الطاقات في حياته، عكس الضوء وليس بإتجاهه. تتداخل القصص، وتبرز شخصيات وتتبدل المشاهد، ويبقى هاجس الكاتب متمحوراً حول فكرة واحدة: قدر الإنسان المحتوم الذي لا يخضع أية قوانين.