كتب دينية - في المخزون
الميزة الأساس لهذه الدراسة أن الباحث وأثناء عرضه المرتكزات برهان الصديقين الكلاسيكية، والتي هي أصالة الوجود، والوحدة في عين الكثرة، والإمكان بمعنى الفقر، يلتفت إلى بعض الدراسات المكتوبة في الحكمة المتعالية مؤخرًا، ليوسعها مناقشة في تصورها للوحدة في عين الكثرة، مدافعًا بشراسة فلسفية عن التشكيك بصفته سمةً وجودية جدًا، ومؤكدًا أن البحث في الإمكان الفقري يجب أن يكون في أعماق الوجود نفسه، وليس في خارجه، وأن تصور الشؤون والمظاهر خارج دائرة الوجود تحتشد سائر أدلة أصالة الوجود في وجهه لترفضه جملة وتفصيلا.
ويعيد الباحث إلى صدر المتألهين شخصيته الفلسفية والعرفانية بنحو التوافق التام، خلافًا لأولئك الذين وجدوا فيه شخصيتين إحداهما نحتت دلائل التشكيك الوجودي، والأخرى ارتمت إلى وحدة الوجود الناكرة لقواعد الحكمة المتعالية نفسها، هذا عندما بلغت اكتشافاته حقيقة المعلول وأنه ليس إلا الفقر!
لم يتنكر صدر المتألهين - بحسب هذه الدراسة - لأي من قواعد مدرسته المتعالية، بل التزم بها دون أن يحيد عنها قيد أنملة، حتى بلغ بها في مسيرته الظافرة حد اكتشاف الفقر في الوجود نفسه، الذي هو شأن وجودي بحت، ولا يمكن تخيل الشأنية خارج أفق الوجود. بهذه الميزة، لا يضيف الباحث إلى المكتبة العربية بحثًا آخر من تلك التي تتناول قواعد الحكمة المتعالية بالشرح ، وإنما يقدم مناقشةً فلسفيةً صارمةً حول فهم قواعد الحكمة المتعالية نفسها، ليزيح عنها التشتت، مؤكدًا أن عقلا واحدًا ظل يتناوب على صناعتها، لم يصب بالإعياء الفلسفي ولا بالإرهاق العرفاني، وأن أولئك الباحثين الذين ظنوا أن الالتزام بأصالة الوجود والتشكيك الوجودي يفضي إلى الالتزام بالكثرة وليس بالوحدة، عليهم أن يعيدوا قراءة قاعدة أصالة الوجود نفسها، والتي أنجبت الوحدة في عين الكثرة، ليتأكدوا أنه كلما زادت الكثرة تأكدت الوحدة.